فصل: من يصح توكيله ومن لا يصح:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.من يصح توكيله ومن لا يصح:

يصح التوكيل من الرجل العاقل البالغ الحر، لأنه كامل الأهلية.
وكل من كان كامل الأهلية، فإنه يملك تزويج نفسه بنفسه.
وكل من كان كذلك فإنه يصح أن يوكل عنه غيره.
أما إذا كان الشخص فاقد الأهلية، أو ناقصها، فإنه ليس له الحق في توكيل غيره، كالمجنون، والصبي، والعبد، والمعتوه، فإنه ليس لواحد منهم الاستقلال في تزويج نفسه بنفسه.
وقد اختلف الفقهاء في صحة توكيل المرأة البالغة العاقلة في تزويج نفسها، حسب اختلافهم في انعقاد الزواج بعبارتها.
فقال أبو حنيفة: يصح منها التوكيل كما يصح من الرجل، إذ من حقها أن تنشئ العقد.
وما دام ذلك حقا من حقوقها، فمن حقها أن توكل عنها من يقوم بإنشائه.
أما جمهور العلماء فإنهم قالوا: إن لوليها الحق في أن يعقد عليها من غير توكيل منها له.
وإن كان لابد من اعتبار رضاها كما تقدم.
وفرق بعض علماء الشافعية بين الاب والجد، وبين غيرهما من الأولياء.
فقالوا: إنه لا حاجة إلى توكيل الاب والجد، أو غيرهما فلابد من التوكيل منها له.

.التوكيل المطلق والمقيد:

والتوكيل يجوز مطلقا ومقيدا: فالمطلق: أن يوكل شخص آخر في تزويجه دون أن يقيده بامرأة معينة، أو بمهر، أو بمقدار معين من المهر.
والمقيد: أن يوكله في التزويج، ويقيده بامرأة معينة.
أو امرأة من أسرة معيبة، أو بقدر معين من المهر.

.وحكم التوكيل المطلق:

أن الوكيل لا يتقيد بأي قيد عند أبي حنيفة.
فلو زوج الوكيل موكله بامرأة معيبة أو غير كف ء، أو بمهر زائد عن مهر المثل جاز ذلك، وكان العقد صحيحا نافذا، لأن ذلك مقتضى الاطلاق.
وقال أبو يوسف ومحمد: لابد أن يتقيد بالسلامة والكفاءة ومهر المثل.
ويتجاوز عن الزيادة اليسيرة التي يتغابن الناس فيها عادة.
وحجتهما: أن الذي يوكل غيره إنما يوكله ليكون عونا له على اختيار الاصلح بالنسبة إليه.
وترك التقييد لا يقتضي أن يأتي بأي امرأة، لأن المفهوم أن يختار له امرأة مماثلة بمهر مماثل، ولابد من ملاحظة هذا المفهوم واعتباره، لأن المعروف عرفا كالمشروط شرطا.
وهذا هو الرأي الذي لا ينبغي التعويل إلا عليه.

.وحكم التوكيل المقيد:

أنه لا تجوز فيه المخالفة إلا إذا كانت المخالفة إنى ما هو أحسن.
بأن تكون الزوجة التي اختارها الوكيل أجمل وأفضل من الزوجة التي عينها له، أو يكون المهر أقل من المهر الذي عينه.
فإذا كانت المخالفة إلى غير ذلك، كان العقد صحيحا غير لازم على الموكل.
فإن شاء أجازه، وإن شاء رده.
وقالت الأحناف: إن المرأة إذا كانت هي الموكلة، فإما أن توكله بمعين، أو غير معين.
فإن كان الأول، فلا ينفذ العقد عليها إلا إذا وافقها في كل ما أمرته به، سواء كان من جهة الزوج أو المهر.
وإن كان الثاني - وهو ما إذا أمرته بتزويجها بغير معين، كما إذا قالت له: وكلتك في أن تزوجني رجلا، فزوجها من نفسه، أو لابيه، أو لابنه - لا يلزم العقد، للتهمة.
فإن حصل ذلك توقف نفاذ العقد على إجازتها.
فإن زوجها بغير من ذكر: أي بأجنبي.
فإن كان الزوج كفئا، والمهر مهر المثل، لزم النكاح وليس لهاولا لوليها رده.
وإن كان الزوج كفثا، والمهر أقل من مهر المثل - وكان الغبن فاحشا - فلا ينفذ العقد، بل يكون موقوفا على إجازتها وإجازة وليها، لأن كلامنهما له حق في ذلك.
وإن كان الزوج غير كفء وقع العقد فاسدا.
سواء كان المهر أقل من مهر المثل، أو مساويا له، أو أكثر، ولا تلحقه الاجازة، لأن الاجازة لا تلحق الفاسد وإنما تلحق الزواج الموقوف.

.الوكيل في الزواج سفير ومعبر:

تختلف الوكالة في الزواج عن الوكالة في العقود الاخرى، فالوكيل في الزواج ما هو إلا سفير ومعبر لاغير، فلا ترجع إليه حقوق العقد، فلا يطالب بالمهر ولا بإدخال الزوجة في طاعة زوجها إذا كان وكيل الزوجة، ولا يقبض المهر عن الزوجة إذا كان وكيلا عنها إلا إذا أذنت له، فيكون إذنها توكيلا له بالقبض.
وهو غير توكيل الزواج الذي ينتهي بمجرد إتمام العقد.

.الكفاءة في الزواج:

تعريفها: الكفاءة: هي المساواة، والمماثلة.
والكفء والكفاء، والكف ء: المثل والنظير.
والمقصود بها في باب الزواج أن يكون الزوج كفئا لزوجته.
أي مساويا لها في المنزلة، ونظير الها في المركز الاجتماعي، والمستوى الخلقي والمالي.
وما من شك في أنه كلما كانت منزلة الرجل مساوية لمنزلة المرأة، كان ذلك أدعى لنجاح الحياة الزوجية، وأحفظ لها من الفشل والاخفاق.
حكمها: ولكن ما حكم هذه الكفاءة؟ وما مدى اعتبارها؟.
أما ابن حزم، فذهب إلى عدم اعتبار هذه الكفاءة، فقال: أي مسلم - ما لم يكن زانيا - فله الحق في أن يتزوج أية مسلمة، ما لم تكن زانية.
قال: وأهل الإسلام كلهم إخوة لا يحرم على إبن من زنجية لغية نكاح لابنة الخليفة الهاشمي.
والفاسق المسلم الذي بلغ الغاية من الفسق - ما لم يكن زانيا - كفء للمسلمة الفاسقة ما لم تكن زانية.
قال: والحجة قول الله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة} وقوله عز وجل مخاطبا جميع المسلمين: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} وذكر عز وجل ما حرم علينا من النساء، ثم قال سبحانه: {وأحل لكم ما وراء ذلكم}.
وقد أنكح رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب أم المؤمنين زيدا مولاه وأنكح المقداد ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب.
قال: وأما قولنا في الفاسق والفاسقة فيلزم من خالفنا ألا يجيز للفاسق أن ينكح إلا فاسقة، وأن لا يجيز للفاسقة أن ينكحها إلا فاسق، وهذا لا يقوله أحد، وقد قال الله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة} وقال سبحانه: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}.
اعتبار الكفاءة بالاستقامة والخلق: وذهب جماعة إلى أن الكفاءة معتبرة، ولكن اعتبارها بالاستقامة والخلق خاصة، فلا اعتبار لنسب، ولا لصناعة، ولا لغنى، ولا لشئ آخر، فيجوز للرجل الصالح الذي لا نسب له أن يتزوج المرأة النسيبة، ولصاحب الحرفة الدنئية أن يتزوج المرأة الرفيعة القدر، ولمن لاجاه له أن يتزوج صاحبة الجاه والشهرة، وللفقير أن يتزوج المثرية الغنية - ما دام مسلما عفيفا - وأنه ليس لاحد من الأولياء الاعتراض، ولاطلب التفريق.
وإن كان غير مستوفي الدرجة مع الولي الذي تولى العقد ما دام الزواج كان عن رضى منها، فإذا لم يتوفر شرط الاستقامة عند الرجل فلا يكون كفئا للمرأة الصالحة، ولها الحق في طلب فسخ العقد إذا كانت بكرا وأجبرها أبوها على الزواج من الفاسق.
وفي بداية المجتهد: ولم يختلف المذهب - المالكية - أن البكر إذا زوجها الاب من شارب الخمر، وبالجملة من فاسق، أن لها أن تمنع نفسها من النكاح، وينظر الحاكم في ذلك، فيفرق بينهما، وكذلك إذا زوجها ممن ماله حرام، أو ممن هو كثير الحلف بالطلاق، واستدل أصحاب هذا المذهب بما يأتي:
1- أن الله تعالى قال: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}.
ففي هذه الآية تقرير أن الناس متساوون في الخلق، وفي القيمة الإنسانية، وأنه لا أحد أكرم من أحد إلا من حيث تقوى الله عزوجل، بأداء حق الله وحق الناس.
2- وروى الترمذي بإسناد حسن عن أبي حاتم المزني، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير، قالوا يارسول اللهوإن كان فيه؟ قال: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه - ثلاث مرات -» ففي هذا الحديث توجيه الخطاب إلى الأولياء أن يزوجوا مولياتهم من يخطبهن من ذوي الدين والأمانة والخلق، وإن لم يفعلوا ذلك بعدم تزويج صاحب الخلق الحسن، ورغبوا في الحسب، والنسب، والجاه، والمال، كانت الفتنة والفساد الذي لا آخر له.
3- وروى أبو داود عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا بني بياضة أنكحوا أبا هند، وأنكحوا إليه» وكان حجاما.
قال في معالم السنن: في هذا الحديث حجة لمالك ومن ذهب مذهبه في الكفاءة بالدين وحده دون غيره، وأبو هند مولى بني بياضة، ليس من أنفسهم.
4- وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش لزيد بن حارثة، فامتنعت، وامتنع أخوها عبد الله، لنسبها في قريش، وأنها كانت بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم، أمها أميمة بنت عبد المطلب، وأن زيدا كان عبدا، فنزل قول الله عزوجل: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا}، فقال أخوها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: مرني بما شئت. فزوجها من زيد.
5- وزوج أبو حذيفة سالما من هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة، وهو مولى لامرأة من الانصار.
6- وتزوج بلال بن رباح بأخت عبد الرحمن بن عوف.
7- وسئل الإمام علي كرم الله وجهه عن حكم زواج الاكفاء، فقال: الناس بعضهم أكفاء لبعض، عربيهم وعجميهم، قرشيهم وهاشميهم إذا أسلموا وآمنوا وهذا مذهب المالكية.
قال الشوكاني: ونقل عن عمر، وابن مسعود، وعن محمد بن سيرين، وعمر بن عبد العزيز.
ورجحه ابن القيم فقال: فالذي يقتضيه حكمه صلى الله عليه وسلم اعتبار الكفاءة في الدين أصلا وكمالا، فلا تزوج مسلمة بكافر، ولاعفيفة بفاجر، ولم يعتبر القرآن والسنة في الكفاءة أمرا وراء ذلك، فإنه حرم على المسلمة نكاح الزاني الخبيث، ولم يعتبر نسبا، ولا صناعة، ولا غنى، ولا حرفة.
فيجوز للعبد القن نكاح المرأة النسيبة الغنية إذا كان عفيفا مسلما.
وجوز لغير القرشيين نكاح القرشيان، ولغير الهاشميين نكاح الهاشميات، وللفقراء نكاح الموسرات.
مذهب جمهور الفقهاء: وإذا كان المالكية وغيرهم من العلماء الذين سبقت الاشارة إليهم، يرون أن الكفاءة معتبرة بالاستقامة والصلاح لا غير، فإن غير هؤلاء من الفقهاء يرون أن الكفاءة معتبرة بالاستقامة والصلاح، وأن الفاسق ليس كفئا للعفيفة، إلا أنهم لا يقصرون الكفاءة على ذلك، بل يرون أن ثمة أمورا أخرى لابد من اعتبارها.
ونحن نشير إلى هذه الأمور فيما يأتي:
أولا: النسب:
فالعرب بعضهم أكفاء لبعض، وقريش بعضهم أكفاء لبعض...فالاعجمي لا يكون كفئا للعربية، والعربي لا يكون كفئا للقرشية. ودليل ذلك:
1- ما رواه الحاكم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «العرب أكفاء بعضهم لبعض، قبيلة لقبيل، وحي لحي، ورجل لرجل، إلا حائكا أو حجاما».
2- وروى البزار عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العرب بعضهم لبعض أكفاء، والموالي بعضهم أكفاء بعض».
3- وعن عمر قال: لامنعن تزوج ذوات الاحساب إلا من الاكفاء رواه الدارقطني.
وحديث ابن عمر سأل عنه ابن أبي حاتم أباه فقال: هذا كذب لا أصل له.
وقال الدارقطني في الملل: لا يصح.
قال ابن عبد البر: هذا منكر موضوع.
وأما حديث معاذ، ففيه سليمان بن أبي الجون.
قال بن القطان: لا يعرف.
ثم هو من رواية خالد بن معدان عن معاذ، ولم يسمع منه.
والصحيح أنه لا يثبت في اعتبار الكفاءة والنسب من حديث.
ولم يختلف الشافعية، ولا الحنفية في اعتبار الكفاءة بالنسب على هذا النحو المذكور.
ولكنهم اختلفوا في التفاضل بين القرشيين.
فالأحناف يرون أن القرشي كفء للهاشمية.
أما الشافعية فإن الصحيح من مذهبهم أن القرشي ليس كفئا للهاشمية والمطلبية.
واستدلوا لذلك بما رواه واثلة بن الاسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله اصطفى كنانة من بني إسماعيل، واصطفى من كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم، فأنا خيار، من خيار، من خيار» رواه مسلم.
قال الحافظ في الفتح: والصحيح تقديم بني هاشم والمطلب على غيرهم، ومن عدا هؤلاء أكفاء لبعض.
والحق خلاف ذلك.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم زوج ابنتيه عثمان بن عفان، وزوج أبا العاص بن الربيع زينب، وهما من عبد شمس، وزوج علي عمر ابنته أم كلثوم، وعمر عدوي.
على أن شرف العلم دونه كل نسب، وكل شرف، فالعالم كفء لاي امرأة، مهما كان نسبها، وإن لم يكن له نسب معروف، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الناس معادن، كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا».
وقول الله تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}.
وقوله عزوجل: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}.
هذا بالنسبة للعرب، وأما غيرهم من الاعاجم فقيل: لا كفاءة بينهم بالنسب.
وروي عن الشافعي وأكثر أصحابه: أن الكفاءة معتبرة في أنسابهم فيما بينهم قياسا على العرب، ولأنهم يعيرون إذا تزوجت واحدة منهم زوجا دونها نسبا، فيكون حكمهم حكم العرب لاتحاد العلة.

ثانيا: الحرية:
فالعبد ليس بكفء للحرة، ولا العتيق كفئا لحرة الاصل، ولا من مس الرق أحد آبائه كفئا لمن لم يمسها رق، ولا أحدا من آبائها، لأن الحرة يلحقها العار بكونها تحت عبد، أو تحت من سبق من كان في آبائه مسترق.

ثالثا: الإسلام:
أي التكافؤ في إسلام الاصول.
وهو معتبر في غير العرب، أما العرب فلا يعتبر فيهم، لأنهم اكتفوا بالتفاخر بأنسابهم، ولا يتفاخرون بإسلام أصولهم.
وأما غير العرب من الموالي والاعاجم، فيتفاخرون بإسلام الاصول،
وعلى هذا إذا كانت المرأة مسلمة لها أب وأجداد مسلمون، فإنه لا يكافئها المسلم الذي ليس له في الإسلام أب ولاجد، ومن لها أب واحد في الإسلام يكافؤها من له أب واحد فيه، ومن له أب وجد في الإسلام فهو كفء لمن لها أب وأجداد، لأن تعريف المرء يتم بأبيه وجده، فلا يلتفت إلى ما زاد.
ورأي أبي يوسف أن من له أب واحد في الإسلام كفء لمن لها آباء، لأن التعريف عنده يكون كاملا بذكر الاب، أما أبو حنيفة ومحمد فلا يكون التعريف عندهما كاملا إلا بالاب والحد.

رابعا: الحرفة:
إذا كانت المرأة من أسرة تمارس حرفة شريفة، فلا يكون صاحب الحرفة الدنيئة كفئا لها، وإذا تقاربت الحرف فلا اعتبار للتفاوت فيها.
والمعتبر في شرف الحرب ودنائتها العرف، فقد تكون حرفة ما شريفة في مكان ما، أو زمان ما، بينما هي دنيئة في مكان ما، أو زمان ما.
وقد استدل القائلون باعتبار الكفاءة بالحرفة بالحديث المتقدم: «العرب بعضهم أكفاء لبعض، إلى: حائكا أو حجاما».
وقد قيل لأحمد بن حنبل رحمه الله: وكيف تأخذ به وأنت تضعفه؟ قال: العمل على هذا.
قال في المغني: يعني أنه ورد موافقا لاهل العرف.
ولان أصحاب الصنائع الجليلة والحرف الشريفة يعتبرون تزويج بناتهم لاصحاب الصنائع الدنيئة - كالحائك، والدباغ، والكناس، والزبال - نقصا يلحقهم، وقد جرى عرف الناس بالتعيير بذلك، فأشبه النقص في النسب.
وهذا مذهب الشافعية، ومحمد وأبي يوسف من الحنفية.
ورواية عن أحمد وأبي حنيفة.
ورواية عن أبي يوسف أنها لا تعتبر إلا أن تفحش.

خامسا: المال:
وللشافعية اختلاف في اعتباره، فمنهم من قال باعتباره، فالفقير عند هؤلاء ليس بكفء للموسرة لما روى سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الحسب المال، والكرم التقوى».
قالوا: ولان نفقة الفقير دون نفقة الموسر.
ومنهم من قال: لا يعتبر، لأن المال غاد ورائح، ولأنه لا يفتخر به ذوو المروءات، وأنشدوا قول الشاعر:
غنينا زمانا بالتصعلك والفقر ** وكلا سقاناه بكأسيهما الدهر

فما زادنا بغيا على ذي قرابة ** غنانا ولا أزرى بأحسابنا الفقر

وعند الأحناف اعتبار المال، والمعتبر فيه أن يكون مالكا المهر والنفقة، حتى إن من لم يملكهما، أو لا يملك أحدهما لا يكون كفئا.
والمراد بالمهر قدر ما تعارفوا تعجيله، لأن ما وراءه مؤجل عرفا.
وعن أبي يوسف أنه اعتبر القدرة على النفقة دون المهر، لأنه تجري المساهلة فيه، وبعد المرء قادرا عليه بيسار أبيه.
واعتبار المال في الكفاءة رواية عن أحمد، لأن على الموسرة ضررا في إعسار زوجها، لاخلاله بنفقتها ومؤنة أولادها، ولان الناس يعتبرون الفقر نقصا، ويتفاضلون فيه كتفاضلهم في النسب، وأبلغ.

سادسا: السلامة من العيوب:
وقد اعتبر أصحاب الشافعي - وفيما ذكره ابن نصر عن مالك - السلامة من العيوب من شروط الكفاءة.
فمن به عيب مثبت للفسخ ليس كفئا للسليمة منه، فإن لم يكن مثبتا للفسخ عنده وكان منفرا كالعمى، والقطع، وتشويه الخلقة.
فوجهان، واختيار الروياني أن صاحبه ليس بكفء.
ولم يعتبرها الأحناف ولا الحنابلة.
وفي المغني: وأما السلامة من العيوب فليس من شروط الكفاءة، فإنه لا خلاف في أنه لا يبطل النكاح بعدمه، وكلنها تثبت الخيار للمرأة دون الأولياء، لأن ضرره مختص بها، ولوليها منعها من نكاح المجذوم، والابرص والمجنون.